لا شك أن الكفاءة فى تنفيذ الأعمال المتفق عليها مطلوبة، وأن صاحب العمل غايته دائما الوصول لأفضل مستوى بخصوص تنفيذ المشروع الإنشائى، ولا تثور مشكلة عندما تكون المواصفات وقت التسليم هى التى تم الإتفاق عليها وعندما تكون مطابقة للرسومات الهندسية والتفاصيل المحددة بين طرفى العقد، لكن المشكلة تثور عندما يتم التنفيذ على وجه معيب يؤدى لأضرار محققة أو محتملة وتخالف ما اشتملت عليه بنود التعاقد، فالخبرة تستدعى مراقبة عملية التنفيذ دائما حتى لا تتفاقم المشكلات الناجمة عن تلك العيوب في وقت لاحق، وقد ترجع تلك العيوب الى محدودية الخبرة لدى المقاول أو سوء نيته فى بعض الأحيان، ما تطلب إيجاد نوعا من الحماية القانونية لصاحب العمل وطرقا لمواجهة تلك الحالات التى يمكن أن تؤثر على مشروعه وسمعته.
أولا: التزامات المقاول تجاه صاحب العمل:
إن العلاقة التعاقدية القائمة بين المقاول وصاحب المشروع ترتب قيام مسؤولية المقاول عن عدم إنفاذ موجبات التعاقد المتفق عليها في العقد، وترتب مسؤوليته أيضا عن الخطأ الذي يصدر عن الأشخاص الذين يستعين بهم لتنفيذ تلك الموجبا ، بل وعليه أن يلتزم بتسليم العمل بعد إنجازه طبقا لمواصفات التعاقد لرب العمل، بالإضافة الى التزامه بضمان الأعمال وذلك وفقا للقانون، أي أن المقاول يكون مسؤولا عن الآتى:
1- تنفيذ أعمال خالية من العيوب الظاهرة والخفية:
حيث على المقاول تسليم الأعمال لصاحب العمل خالية من أي عيب، وفى حالة إخلال المقاول بالتزاماته بضمان عيوب الصنعة وظهورعيوبا فى عمله يجعله ذلك مسؤولا عن تلك العيوب أمام صاحب العمل، وللأخير أن يرجع عليه قانونا بخصوص تقصيره بشكل أو بآخر، ويتعين بهذا الصدد توضيح أن الأصل في عقد المقاولة هو تبرئة ذمة المقاول من العيوب الظاهرة عند تسليم الاعمال لصاحب العمل، أما العيوب الخفية فلا تبرئ ذمته منها، ويبقى مسؤولا عنها طيلة مدة الضمان .
2- تنفيذ الأعمال وفقا للمواصفات والشروط :
الأصل أن المقاول عليه تسليم الأعمال وفقا لأصول الصنعة، فإذا أخل المقاول بالتزامه في إنجاز العمل وفقا للمواصفات والشروط المتفق عليها كان مسئولا تجاه صاحب العمل، ويحق للأخير أن يرجع عليه بالتعويض على أساس المسؤولية العقدية ويتضح بهذا الصدد أنه يتعين فى كل الأحوال على المقاول أن يعمل جهد الإمكان على تنفيذ تعليمات مهندس المشروع، سواء بالنسبة للتصميمات المعمارية أو المقاييس المتعلقة بالحسابات، بل إن المقاول بدوره كالمهندس المعماري ينبغي عليه أن يقوم بتنبيه رب العمل إلى مخاطر المشروع من زاوية التنفيذ، وأن يسدي إليه النصيحة حتى يكون على بينة من أمره ويعمل على تجنب تلك المخاطر بقدر الإمكان ويطلق عليه فقها وقضاءا التزام المقاول بالإعلام والتوجيه، وعلى المقاول أيضا أن يلزم المقاول من الباطن - إن وجد مخالفات أثناء التنفيذ – بالقيام بالعمل على وجه يتفق مع ماجاء بالعقد وله أن يقوم بإنذاره أثناء تنفيذ العمل بأن يعدل من طريقة التنفيذ المعيبة لأن المقاول الأصلي يبقى مسئولا تجاه رب العمل عن أخطاء مقاوليه من الباطن.
ثانيا: المقصود بمخالفة العقد:
إن عقد المقاولات هو عقد بين طرفين هما المقاول وصاحب العمل، وبمقتضاه يلتزم المقاول بإنجاز عمل معين وهو القيام بأحد أعمال التشييد وفق شروط ومواصفات محددة تكون مدرجة في العقد، مقابل حصول ذلك المقاول على اجر يلزم به صاحب العمل، فهو بهذا المفهوم إتفاق ملزم يخضع لحماية ورقابة القانون سواء فى إبرامه أو تنفيذه، وكذلك يتضمن مجموعة الشروط التي سيتم إنجاز عملية التشييد أو البناء وفقا لها، فإذا كان العقد من عقود القانون الخاص في هذه الحالة تنطبق عليه أحكام عقد المقاولة الوارد في القوانين المدنية، بجانب الشروط النموذجية الواردة في العقد والمتفق عليها من قبل طرفيه، و إذا تعلق ذلك العقد بمشروع ذو نفع عام فان أحكام القانون الادارى تنطبق عليه فضلا عن الشروط النموذجية المتفق عليها، وقد يتضمن العقد فى هذه الحالة شروطا إستثنائية غير مألوفة في القانون الخاص، ونتيجة لذلك فان أي مخالفة أو إخفاق في العقد من قبل المقاول تعطى الحق لرب العمل فى الرجوع عليه ومطالبته بالمبالغ التي تكبدها زيادة على مبلغ العقد لغرض انجاز المشروع طبقا للمواصفات المطلوبة، فضلا عن تعويض الأضرار التي أصابت رب العمل نتيجة تأخر المشروع، ونظرا لصعوبة تحديد تلك الأضرار فان غالبية عقود التشييد تحتوي على إتفاق يتم فيه فرض غرامة تأخيرية عن كل يوم تأخير أو إيقاف للمشروع.
وهذا ما يسمى بالتعويض الاتفاقى وهو عبارة عن مبلغ معقول من المال يتناسب مع حجم المشروع والأضرار الناتجة عن ذلك الإخلال والتي من الصعب تحديدها عند توقيع ذلك العقد، كما تؤكد عقود الفيديك على سبيل المثال دائما على أن التعويض المقرر بإتفاق الطرفين هو تعويض إتفاقي وليس شرطاً جزائيا، فهو تعويض عن كل يوم أو جزء من اليوم يمر بين التاريخ المحدد وتاريخ صدور شهادة الإنجاز، ولصاحب العمل الحصول على حقه أيضا عن طريق إنقاص مستحقات المقاول بقدر ما يستحق من التعويض، في حين إن "الشرط الجزائي" يخضع لتقدير القاضي، كما أن عبء إثبات الضرر الفعلي يقع على المدعي فى تلك الحالة.
وعلى ذلك فانه يحق لصاحب العمل إتخاذ كافة الإجراءات التى تحفظ حقوقه فى حالة وقوع ذلك الاخلال من المقاول من مطالبة بالتعويض الاتفاقى إن وجد، أو تعليق العمل فى بعض الأحيان أيضا، وقد بينت بعض مواد عقود "الفيديك" الدولية "إن للمهندس الحق في أي وقت أن يصدر تعليماته إلى المقاول لتعليق العمل أو جزء منه، أما إذا كان سبب التعليق عائد الى المقاول فلا يستحق أي زيادة في السعر أو في مدة التنفيذ.."
ومفاد ذلك أنه فى حالة تعليق الأعمال بسبب تنفيذ المقاول لها على وجه معيب أو فيه إخلال بشروط العقد، يتحمل تبعة ذلك الطرف المخالف أى المقاول، حيث أنه من غير المتصور أن يستفيد الأخير من خطأه ومخالفته لبنود وشروط التعاقد.
ثالثا: المقصود بتنفيذ المقاول للأعمال على وجه معيب:
ويقصد بذلك عدم إتباع المقاول الأصول الفنية المعمارية التي تفرضها قواعد المهنة طالما لم يتبين فيها خطأ أو قصور، أو مخالفة القواعد الفنية للصناعة، أو عدم مراعاته ما تقضي به القوانين واللوائح، فإذا كان هناك أي شيء يعد مبهما له حول ذلك، فعليه أن يراجع المهندس المعماري، ليتفقا معا على وجه الصواب في الأمر، على أن يكون هدفه من مسعاه تحقيق الصالح العام، وليس مجرد الكيد أو التعطيل للحصول على مكسب ما بسوء نية، بجانب وجوب مراعاة ما تفرضه القوانين المنظمة لهذا النوع من النشاط وما تصدره الجهات الإدارية المختصة من تعليمات منظمة له.
كذلك بخصوص حالات عدم مراعاة المقاول - والمقاول من الباطن إن وجد - لأصول الفن المعماري أثناء التنفيذ فإننا نجد معظم القوانين تلزم مقاولي التشييد بإحترام القواعد الفنية للمهنة التي يزاولونها، وأن يلتزم مقاول البناء بإنجاز عمل أو بأداء خدمة حيث يسأل ليس فقط عن فعله ولكن أيضا عن إهماله ورعونته وعدم مهارته، فالمقاول يكون مسؤولا أمام رب العمل والمقاول من الباطن بدوره يكون مسؤولا أمام المقاول الاصلى أيضا سواء كان مصدر الإخلال هو الخطأ أو الإهمال واذا كان بسبب سوء نيته أو جهله بالقواعد الفنية المعمارية التي يتعين عليه احترامها أثناء تنفيذه لاعمال التشييد والبناء.
وبالرغم من إتساع مفهوم مصطلح ” أصول الصناعة” إلا أن تحديد حالات الإخلال أو عدم الإخلال بهذه الإلتزامات الخاصة بالمقاول أمر موكول لجهة القضاء أو التحكيم عند حدوث نزاع، وعلى ذلك يتعين على تلك الجهة البت فيما إذا كان المقاول قد احترم أو خرق قواعد المهنة أو النشاط الذي يزاوله، وذلك بالإعتماد على رأي الخبراء في مجالات التشييد والمقاولات .
رابعا: الآليات المتاحة لصاحب العمل اتخاذها تجاه المقاول حال مخالفته لشروط العقد
في البداية نبين أنه لا يكفي للقول بقيام المقاول بتنفيذ التزامه أن يقوم بتنفيذ العمل المكلف به فحسب، بل يجب أن يكون هذا التنفيذ مطابقا لما هو منصوص عليه بعقد المقاول مع مراعاة الأصول الفنية والهندسية المتبعة، وقد خول القانون المدني المصري لصاحب العمل العديد من الآليات المنوط به اتخاذها اذا تبين له أن المقاول يقوم بتنفيذ العقد بشكل معيب.
وأولى تلك الآليات هو قيام صاحب العمل بتنبيه المقاول وانذاره بأن يعدل من طريقة التنفيذ خلال أجل محدد، بهذا الصدد نشير الى أن الالتزام المذكور سلفا هو التزام وجوبي على صاحب العمل اذا ما رأي أن المقاول يقوم بتنفيذ العقد بالمخالفة لأحكامه وبنوده، واذا أهمل صاحب العمل في ذلك فان الأخير لا يستحق تعويضا عن الأضرار التي كان من الممكن أن تجنبها اذا ما أنذر المقاول في وقت معقول.
وثاني تلك الآليات هو انهاء عقد المقاولة بالارادة المنفردة، وذلك استثناء من القاعدة العامة في العقود الملزمة للجانبين وتطبيقا لأحكام التقنين المدني، مرورا بحق صاحب العمل في حبس مستحقات المقاول لتنفيذه الأعمال بالمخالفة للأصول المهنية، وختاما بطلب صاحب العمل بفسخ العقد قضاء اذا كان اصلاح العيب في طريقة التنفيذ بات مستحيلا.