تشهد مصر في الأونة الأخيرة تطورا في السوق العقاري على كافة المستويات، وقد أدى ذلك الى تكليف العديد من الشركات في مجال المقاولات بتنفيذ المشروعات الكبرى، وازاء هذا التسارع في عمليات التشييد والبناء، فقد تنتج أخطاء في التنفيذ من جانب المقاول تارة أو رغبة من صاحب العمل في اجراء بعض التعديلات أثناء تنفيذ المشروع سواء من حيث التصميمات أو أعمال البناء تارة أخرى، كما قد يتجه صاحب العمل الى التوسع في عمليات التشييد أثناء تلك العملية.
هذا ولما كانت أعمال المقاولة يجب أن تمارس تحت مظلة قانونية لتحديد حقوق وواجبات أطراف العلاقة، فان المستقر عليه هو تحرير ملحق لعقد مقاولة الأصلي وهو ما يعرف بأمر التغيير، وهو ذلك الأمر الذي يصدره صاحب العمل أو المهندس بحسب الأحوال للمقاول لاجرء بعض التغييرات أو التعديلات على التنفيذ، وذلك بغية أن تتناسب الأعمال مع المتطلبات الجديدة المرجوة من هذا المشروع.
وبتلك المناسبة، فاننا سوف نتناول بالبحث بعض العناصر المتعلقة بأوامر التغير كأحد العوامل الرئيسية أٌثناء تنفيذ عقود المقاولة، وهى على النحو التالي بيانه:-
أولا: المقصود ب" أوامر التغيير" فى عقود المقاولات:-
غالبا ما تواجه المشروعات المختلفة التى تنظمها عقود المقاولات تغييرات فى ظروف العمل ترجع لرؤية مهندس المشروع أو تحقيقا لرغبة صاحب العمل، أو لتعديلات فى التصميمات الهندسية المتفق عليها من قبل طرفى العقد أى المقاول و صاحب العمل، و يصدرها المهندس أحيانا لتواكب ما طرأ من الظروف الجديدة على المشروع ككل أو بخصوص جزء منه، وتصدر تلك الأوامر وبحسب ما يراه الأخير أصلح للمشروع، ويكون ذلك بعد التعاقد بطبيعة الحال وأثناء مرحلة التنفيذ، الا أن الجدل يثور بخصوص الضوابط والقواعد التى يتعين أن تتبع بخصوص آثار تلك الأوامر التغييرية على إلتزامات طرفي التعاقد، سواء بخصوص صاحب العمل أو المقاول.
حيث تحتاج مقاولات البناء والتشييد الى سلسلة من العقود أحيانا لتنظيم العلاقات المتشابكة تبعا لذلك بين صاحب العمل والمقاول والمهندس، ومواجهة التغييرات التي قد تطرأ أثناء تنفيذ العمل، اذ يشكل العقد الأساس القانوني لمقاولات البناء والتشييد، الأمر الذي يتطلب دقة التنظيم وحسن الصياغة بالنسبة لتلك التعاقدات مع وضع شروط عادلة للحد من المشكلات التي تواجه عملية تنفيذ عقود المقاولات بشكل عام.
ومن الملاحظ أنه كلما زاد التطور فى قطاع الإنشاءات، كلما زادت وتشعبت المشاكل والمنازعات التى قد تنشأ بين أطراف التعاقد، بسبب التغييرات التى قد ترجع لخطأ من أحد طرفي العقد وإلحاق الضرر بالطرف الآخر أو لظروف طارئة وخارجة عن إرادة كل الأطراف، وفي ظل التنافس المتسارع في تأسيس شركات المقاولات دون توافر الإمكانيات والمؤهلات المطلوبة، مما أدى الى ظهور بعض المقاولين من مدعى الخبرة في البناء والتشييد، الأمر الذى تسبب فى ظهور أبنية ومنشآت غير مطابقة للمواصفات، مما يهدد سلامتها ومتانتها، ونتج عن ذلك نشوء خلافات بين أطراف العمل، وقد أدى ذلك فى كثير من الأحيان إلى اللجوء إلى إجراءات التقاضي التي تتصف بالبطء الشديد، مما يفضل معه حل تلك الخلافات بعيدا عن القوانين المحلية التي تكون فى أغلب الأحوال عاجزة عن تلبية ما يتطلبه ذلك، إذ أن غالبية هذه القوانين لم تعد تواكب التطورات الإنشائية في عقود المقاولات و لما تتصف به تلك العقود من تعقيدات كما تعجز نصوصها في معظم الأحيان عن تسريع عجلة العمل الانشائى، أو على الاقل عدم تعطيل العمل نظرا لمساوىء الروتين.
والجدير بالذكر أن القوانين المحلية لم تضع تعريفا معينا للأوامر التغييرية، الا أن عقود " الفيديك " المستحدثة قامت بتلك المهمة، حيث عرفتها كالتالي:
" أى تغيير فى الأعمال يتم اصدار التعليمات به، والموافقة عليه كتغيير "
كما يرى جانب من الفقه بأنها:-
" سلطة يمارسها المهندس فى عقود المقاولات، بموجبها يطلب من المقاول إجراء تعديلات أو إضافات على العمل، ولا تكون هذه التغييرات منصوصا عليها فى العقد الاصلى، ويعد ذلك بمثابة إتفاق ملحق بالعقد الاصلى، ويهدف الى تحقيق مصلحة المشروع "
ويتضح من ذلك أن أمر التغيير يكون خطيا من المهندس الى المقاول بمبادرة منه بناء على رؤيته الشخصية أو بناء على طلب صاحب العمل، وأحيانا يكون بناء على إقتراح من المقاول نفسه، بهدف إضافة أو حذف أو تعديل الأعمال محل التعاقد، وذلك أثناء تنفيذ العقد، وقبل صدور ما يفيد تسلم الأعمال.
ثانيا: الهدف من استخدام "أوامر التغيير":-
يكون الهدف من وراء استخدام الأوامر التغييرية هو تجنب الحاجة الى إبرام عقد أو عقود جديدة، وكذا تجنب الغاء العقد الاصلى كلما ظهرت تغييرات أثناء تنفيذه، ولا تثور مشكلات من الناحية النظرية اذا كانت معايير التصاميم واضحة، أو فى حالة سماح عقد المقاولة ذاته لصاحب العمل او المهندس باجراء التغييرات أثناء التنفيذ، بل تنشأ المشكلة عند محاولة تحديد المسئول عن تحمل التكاليف والوقت الزائد الناتج عن تلك التغييرات، كما يمكن أن تتفاقم المشكلة بشان توقيت التغيير والجدول الزمنى له أثناء تنفيذ المشروع، والتى يمكن أن تؤدى الى تداعيات مالية كبيرة وعواقب وخيمة على المقاول الأصلي.
وتجدر الإشارة الى أن المهندس بحسب الأصل لا يملك صلاحية تعديل عقد المقاولة، وهذا أمرا بديهيا من النواحى القانونية، لأن الصلاحية للقيام بهذا الإجراء تكون للمتعاقدين فقط، والمهندس لا يكون طرفا من اطراف عقد المقاولة، وبالتالى لا تكون له صفة فى إجراء تلك التعديلات وفقا لمبدأ نسبية آثار العقد الذى يقرر أن شروط وآثار العقد تقتصر على أطرافه دون غيرهم، وذلك على الرغم من أن المهندس يلعب دورا هاما و رئيسيا فى تنفيذ العقد، لكنه لا يستطيع زيادة أو تخفيف أى من المسئوليات المنصوص عليها بالعقد، وهنا تكمن أهمية " أوامر التغيير "، كما يتضح أنها لا تعتبر تعديلا على عقد المقاولة الا أنها تقترب من هذا المفهوم.
ثالثا:- سلطة اصدار الأوامر التغييرية:-
حيث تكمن الأهمية في تحديد الشخص المخول له اصدار أوامر التغيير أثناء تنفيذ عقد المقاولة، وذلك لما قد يترتب عليه بعد ذلك من المسئولية عن أي أخطاء قد تنتج عن تلك الأوامر إضافة الى استحقاق المقاول قيمة تنفيذ تلك الأعمال، ووفقا لذلك المفهوم فان سلطة اصدار الأوامر التغييرية يقتصر على صاحب العمل والمعندس الاستشاري بحسب الأحوال.
اذ تخول الطبيعة القانونية لعقود المقاولة لصاحب العمل بصفته مالك المشروع اجراء تعديلات على الأخير أثناء عملية التنفيذ سواء لما شاب التنفيذ من اخلال أو لكي تتناسب أعمال المقاولة من الملاءة المالية له من جانب والجدوى الاقتصادية للمشروع من جانب أخر، ويلتزم المقاول بتنفيذ كافة أوامر التغيير الصادرة عن صاحب العمل طالما تتفق مع الأصول الفنية والمهنية.
كما أن المهندس المعماري تتوافر لدية مكنة اصدار الأوامر التغييرية، اذ قد يتضح له أثناء عملية التنفيذ وجود عيوب في التصميم تشكل مخالفة لأصول الهندسة المعمارية سواء من حيث الخطأ في تصميم الأساسات أو قياسات الأبعاد المختلفة أو المنافع العامة بالبناء، ويتم تأصيل سلطة المهندس في اصدار الأوامر التغييرية الى الشروط العامة في عقود الفيديك.
وعليه، يتضح أن للمهندس إصدار أوامر التغيير في شكل أو نوعية أو كمية الأعمال متى كان ذلك ضروريا من وجهة نظره، وفي المقابل يلتزم المقاول بكافة التعليمات التي يصدرها المهندس بخصوص زيادة أو إنقاص كمية الأعمال المنصوص عليها في العقد ، أو تعديل المستويات و الخطوط والمواقع وأبعاد أي جزء من ذات الأعمال.
الا أنه وختاما لذلك التوضيح، فانه ينبغي لنا أن المقاول يكون له سلطة اصدار أوامر تغييرية في حالة واحدة فقط، وهى الحالة التي تكون الأعمال فيها محل لعقد مقاولة من الباطن، وحينها يكون المقاول الأصلي بمثابة صاحب العمل للمقاول من الباطن ويكون له حينئذ اصدار الأوامر التغييرية له بموجب عقد المقاولة المحرر بينهما.
رابعا: أنواع الأوامر التغييرية:-
أحيانا تتطلب عملية البناء إجراء تغييرات معينة لتجنب بعض المخاطر المحتملة التى قد تؤثر على سلامة البناء أو تستهدف توسعته أو لتزويده بأنظمة الحماية من الحرائق .. الخ، وغالبا ما يتطلب ذلك موافقة السلطات أو الجهات المختصة لضمان توافق تلك التغييرات مع القوانين المحلية.
وتتعلق أوامر التغيير بإحداث تعديلات فى التصاميم أو الجودة أو بخصوص المواد المستخدمة فى المشروع سواء بالاضافة أو الحذف وكميتها ومواصفاتها وما الى ذلك، وقد يستتبع ذلك تغييرات فى التزامات صاحب العمل أو القيود التى يضعها للدخول الى الموقع أو أجزاء منه أو بخصوص طريقة العمل ، وذلك لتلافى حالات الاخلال بالعقد.
- وهنا ينبغى التفرقة بين نوعين من الأوامر التغييرية:
أ – أوامر التغيير النافعة
والمقصود بها تلك الأوامر التى يصدرها المهندس لتسريع العمل وتحقيق أكبر قدر من الانجاز فى مدد أقل مع خفض التكاليف واستبعاد الغير ضرورى منها، أو تحسين جودة العمل والتقليل من مصاعب الأداء، وكذلك تعديل كميات المواد المستخدمة وتغير نوعياتها وخصائصها إضافة الى المناسيب والمقاييس والأماكن لأى جزء من البناء، وكذلك تغيير توقيت أو تسلسل تنفيذ الأعمال .. الخ
وقد تتم أيضا تلك الأوامر التغييرية بتعديل التصميم أو تصحيحه أو إضافة مستجدات عليه، وكذلك تصحيح أخطاء البناء التى تظهر بعد البدء فى التنفيذ، أو الغاء بعض الأعمال التى تم تنفيذها بالفعل، او إجراء بعض التعديلات لمواجهة الحوادث أو العوامل الجوية.
ب – أوامر التغيير الضارة
وهى الأوامر التى تؤثر سلبا على المشروع، وتؤدى لزيادة تكلفته أو للتأخر فى تسليمه واتمامه، أو التقليل من الجودة، كان يصر أمر باستخدام مواد أقل سعرا وذات جودة منخفضة بسبب تدهور الحالة المالية لصاحب العمل ، مما ينعكس بالسلب على جودة العمل أو المشروع ككل والغاية من وراءه.
خامسا: أسباب إصدار الأوامر التغييرية:-
تتعدد تلك الأسباب وتتباين لكثرة العوامل التى تغير من واقع المشروع حين تنفيذه عما تم التخطيط له، ونذكر أهم تلك الأسباب كالتالى:
حيث تعتبر مشروعات البناء والانشاءات متقلبة بطبيعتها، ومن ثم فانها تتعرض للكثير من المخاطر، لذا قد يكون إصدار الأوامر التغييرية نتيجة لوقوع تلك المخاطر التى لم يكن هناك قدرة على التنبوء بها أثناء إبرام العقد أو بعد البدء فى تنفيذه.
فقد تحتوى تصميمات المشروع على أخطاء تتعلق بالدقة، اذ أحيانا يترك بعض التفصيلات للمقاول ليقوم بتصميمها برغم أن ذلك من اختصاص مهندس المشروع، وتلك الأخطاء لا يمكن استيضاحها أو الوقوف عليها الا أثناء عملية التنفيذ، مما يستدعى تدارك ذلك وإصدار الأوامر التغييرية بخصوص تعديلها وتصحيحها.
فقد تصدر تلك الأوامر التغييرية لتلافى الأخطاء التى يمكن أن يقع فيها صاحب العمل بسبب عدم خبرته الكافية بشأن بعض التفاصيل، أو اصداره لتعليمات غير صحيحة من الناحية العملية أو متناقضة فى بعض الاحيان، أو رغبته فى اجراء بعض التعديلات لتتناسب مع غايته النهائية من المشروع، أو نظرا لتغير وضعه المالي أو الاجتماعي أو ظروف السوق أيضا.
وهذا يكون مثل التغييرات التى تطرأ على التربة وتسبب مخاطر على المشروع وتتطلب إصدار الأوامر التغييرية لتلافى تلك الأخطار الحالية أو المحتملة، كما تصدر فى أحيان أخرى بناء على الرغبة فى دمج أحدث التقنيات للمشروع، وبالتالي تقليل المخاطر والتكاليف الى الحد المعقول.
تمتاز عقود المقاولات والتشييد بطول مدة تنفيذها فى أغلب الاحيان، مما يعرض المشروع للعديد من المتغيرات والتقلبات لتغير الظروف، وهنا يعمل اصدار الأوامر التغييرية على مواكبة التغيرات السوقية أو التغيرات فى الأسعار، وقد تأتى كأوامر تغييرية نافعة للمقاول مثل التقليل من العمالة أو المواد، وقد تكون ضارة كما لو ارتفعت الأسعار بسبب متغيرات السوق أو فى حالة قيام حرب.
سادسا:- الأثر القانوني لاصدار الأوامر التغييرية:-
للأوامر التغييرية أثر مباشر بالنسبة لعقود المقاولات يتمثل في اعتباره ملحق للعقد الأصلي وتسري عليه أحكامه كافة، كما أن أوامر التغيير بما تقتضيه من اجراء تعديلات في الأعمال محل عقود المقاولة قد تؤدي الى زيادة حجم الأعمال عن القدر المتفق عليه في العقد الأصلي المبرم بين صاحب العمل والمقاول، فإن قواعد العدالة تقتضي أيضا أن يتم تقدير قيمة التكاليف الزائدة واضافتها الى العقد والزام صاحب العمل بسدادها للمقاول.
وكان مفاد ذلك أن الأعمال محل أمر التغيير الصادر سواء من صاحب العمل أو المهندس هى جزء لا يتجزأ من الالتزامات الواقعة على عاتق المقاول ويلتزم بتنفيذها، كما يرجع المقاول بالزيادة في الأجر اذا حدث تعديل أو اضافة في التصميم باذن من رب العمل، وذلك شريطة أن يكون رب العمل قد اتفق مع المقاول على الزيادة في الأجر الذي يستحقه نظير تلك الإضافة أو هذا التعديل.
ولا يعتد بالاذن الصادر من المهندس، الا اذا كان المهندس وكيلا عن صاحب العمل، وكانت وكالته تخول له سلطة اجراء تعديلات أو اضافات على التصميم المتفق عليه، فاذا لم يصدر اذن من رب العمل، وقام المقاول من تلقاء نفسه بالتعديل أو الاضافة فلا يستحق نظير لتلك الأعمال.
ولما كانت الكتابة شرطا لاثبات أوامر التغيير – عند اجراء تعديل في التصميم أو الأعمال – فانها تعد شرطا أيضا لاثبات الاتفاق بين صاحب العمل والمقاول على الأجر نتيجة تلك الأوامر التغييرية، وفي هذا الصدد نشير الى أن المشرع المصري قد تطلب الاتفاق كتابا على الاجر بين صاحب العمل والمقاول عند اصدار أوامر تغييرية، لأن صاحب العمل لو أذن للمقاول بابرام تعديل أو اضافة في الأعمال ولكنه لم يتفق معه على الأجر، فلا يحق للأخير المطالبة بتقاضي أجرا زائدا عن العمل، حتى لو تم العمل محل أمر التغيير في حضور صاحب العمل وبعلمه.
واذ يتضح بلا مراء أن المشرع قد انحاز لصاحب العمل بشأن اشتراط الكتابة لاثبات قيمة الأعمال محل أوامر التغيير، وذلك لالزام المقاول بالاتفاق مع صاحب العمل على أجره عن الأعمال التي تمت بالزيادة عن الأعمال المتفق عليها في عقد المقاولة الأصلي، وان كنا نرى أنه من الأفضل لو كان المشرع جعل أجر المقاول في حال خلو أمر التغيير من النص على الأجر، وفقا للشروط العامة لعقود الفيديك بقبول تحكيم المهندس المعين من صاحب العمل لتحديد قيمة وتكاليف تلك الأعمال بالنظر الى طبيعتها في المجال الانشائي والمعماري.