research

تعسر المقاول الأصلي في سداد مستحقات المقاول من الباطن

يقصد بتعسر المقاول الأصلي عدم قدرته على سداد ديونه مستحقة الأداء ومنها أجر مقاول الباطن، وقد يرجع ذلك إلى عدم حصوله على مستحقاته من صاحب العمل مع عدم توافر الملاءة المالية، وقد تدخل المشرع في تلك الحالة  لحماية مقاول الباطن حيث أن له حقوقا واجبة، كونه لم يقصر فى عمله وقام به على الوجه الأكمل، وهذا يجعلنا في حاجة لتوضيح بعض الأمور الخاصة بوضعية المقاول من الباطن بالنسبة للعلاقة التعاقدية بين المقاول الأصلي وصاحب العمل، ثم تدخل المشرع لإسباغ  الحماية اللازمة لذلك الطرف الأضعف والأكثر تأثرا في حالة تعسر المقاول الأصلي.

أولا : مفهوم عقد المقاولة من الباطن :

تعد المقاولة من الباطن بمفهومها الوارد في القانون المدني صورة تطبيقية لعقد مقاولة يكون بين المقاول الأصلي و مقاول آخر هو المقاول من الباطن، إلا أن ذلك العقد يمتاز بنفس الخواص ويترتب عليه وجوده علاقة بين صاحب العمل والمقاول من الباطن بدوره أيضا، كما يعد التعاقد من الباطن من أبرز الأعمال التعاقدية الحديثة في يومنا هذا، و ليس استثاء من مبدأ نسبية أثر العقد، بل هو عقد مستقل بأحكام مستقلة و بالتالي لا يعد خروجا عن المبدأ القائل بأن أطراف العقد هم المعنيين الوحيدين بتنفيذه وعليهم تنفيذ العقد بذواتهم، والمقرر أنه إذا كان المقاول الأصلي ملزم بتنفيذ الأعمال المتفق عليها مع صاحب العمل، فإن ذلك لا يعني بالضرورة قيامه بتنفيذ هذه الأعمال بنفسه أو أن التعاقد معه يخضع لاعتبارات شخصـية، وبالتالي لا يجوز تكليفه لغيره من المقاولين للقيام بها طالما لم يتم النص صراحة على منع ذلك فى عقد المقاولة الأصلي أو جعله رهينا بشروط معينة، إلا أنه أحيانا قد يتعسر المقاول الأصلي في سداد مستحقات المقاول من الباطن وهنا تثور المشكلة، حيث لا يجد الأخير أي وسيلة ليحصل من خلالها على مستحقاته المالية لو لم تكن إمكانية الرجوع على صاحب العمل ومطالبته بتلك المستحقات متاحة له قانونا، يثار تساؤل بشأن مدى جواز رجوع المقاول من الباطن على صاحب العمل بمستحقاته في هذه الحالة برغم كونه ليس طرفا في العقد الاصلي؟  ونجيب على هذا التساؤل خلال السطور التالية :

ثانيا : الحقوق المقررة قانونا للمقاول من الباطن :

- يعتبر مقاول الباطن هو المقدم الحقيقي للخدمة وهو الخاسر المباشر في حال تقصير المقاول الأصلي في القيام بواجبه بخصوص سداد مستحقات معاونيه، فإن المشرع المصري قد رأى أن الدعوى غير المباشرة ليست كافية لحماية حقوق المقاول من الباطن ، ذلك لأنها وإن حكم فيها لصالح الأخير، إلا أن الحق يظل مع ذلك مستقرا في ذمة المدين أي المقاول الأصلي ويدخل في الضمان العام لدائني المدين، ولإيجاد حماية للمقاول من الباطن قرر القانون المدني المصري مجموعة هامة من القواعد وتتمثل فيما جاءت به المادة (662) ، التى تنص على أن :

" (1) يكون للمقاولين من الباطن وللعمال الذين يشتغلون لحساب المقاول في تنفيذ العمل، حق مطالبة رب العمل مباشرة بما لا يجاوز القدر الذى يكون مديناً به للمقاول الأصلي وقت رفع الدعوى، ويكون لعمال المقاولين من الباطن مثل هذا الحق قبل كل من المقاول الأصلي ورب العمل، (2) ولهم في حالة توقيع الحجز من أحدهم تحت يد رب العمل أو المقاول الأصلي امتياز على المبالغ المستحقة للمقاول الأصلي أو للمقاول من الباطن وقت توقيع الحجز، ويكون الامتياز لكل منهم بنسبة حقه، ويجوز أداء هذه المبالغ إليهم مباشرة، (3) وحقوق المقاولين من الباطن والعمال المقررة بمقتضى هذه المادة مقدمة على حقوق من ينزل له المقاول عن دينه قبل رب العمل."

ومفاد نص المادة المذكورة أعلاه أنها أقرت بهذا الصدد القواعد التالية :

أ- إعطاء الحق لمقاول الباطن والعمال في رفع الدعوى المباشرة ضد  صاحب العمل بإعتباره مدين المدين في هذه الحالة.

ب- تقييد حرية المقاول الأصلي بخصوص التصرف في حقوقه لدى صاحب العمل.

ج- تقرير امتياز لمقاول الباطن في حالة الحجز علي مستحقات المقاول الأصلي لدى صاحب العمل.

وبذلك قد منحت تلك المبادئ سالفة البيان لمقاول الباطن وكذلك لعمال المقاول الأصلي الحق في رفع دعوي مباشرة يختصمون فيها رب العمل ومطالبته بسداد مستحقاتهم في حالة تقصير المقاول الأصلي علي ألا تزيد عن مقدار الدين المتخلف في ذمة صاحب العمل لصالح الأخير.

واتفق الفقهاء على أن هذه القاعدة تعد من قواعد النظام العام، ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها حتي لو تم النزول عنها مسبقا في العقد، وجدير بالذكر هنا أن تلك الدعاوى تعتبر من الحالات الخاصة ، وتتعلق بأموال محددة في ذمة المدين ولا تشمل كل أمواله .

أي أنها بخصوص الحق في الأجر الذي أصبح مستحقا بسبب عقد المقاولة فقط وبالقدر الذى مازال رب العمل (وقت رفع الدعوي) مدينا به لصالح المقاول الأصلي، ولا يجوز لرافع الدعوي المطالبة بحقوق تزيد عن حقوقه أو تزيد عن حقوق المقاول الأصلي لدى صاحب العمل.

كما أن تلك الدعاوى ليست إجبارية ، إذ للدائن الخيار في استعمالها أو عدمه ، ولا يشترط أن يتوافق كل الدائنين عليها ، أي أنه إذا قام أحد الدائنين برفع هذه الدعوي و أصبحت مستحقة فللمدين أن يوفي الحق مباشرة إلى مستحقه ، دون الحاجة إلى إجتماع كل أصحاب الحقوق إلا إذا كان أحدهم قد قام بعمل إنذار او ما شابه لحفظ الحق .

ماهية الأجر في عقد المقاولة من الباطن :

الأجر هو البدل الذي يلتزم المقاول الأصلي بتسديده للمقاول من الباطن مقابل تنفيذ الأعمال، فالأجر هو مقابل إلتزام المقاول من الباطن، إذ يجب أن يكون معينا أوقابلا للتعيين والا اعتبر العقد من عقود التبرع، كما أن الأجر المترتب بذمة المقاول والمستحق للمقاول من الباطن، فالمبدأ هو أن الأجرة لا تستحق الا بعد إتمام العمل أو بتسليمه، ولكن قد يرد في عقد المقاولة من الباطن بعض البنود التي تحدد كيفية تسديد الأجر بطرق مختلفة.

تقييد حرية المقاول الأصلي بخصوص التصرف في مستحقاته لدى صاحب العمل :

يجدر التنويه بخصوص أن الدعوى المباشرة التي قررها المشرع هنا هى دعوى غير مؤثرة بمجرد وجود الحق فى رفعها، بمعنى أنه طالما لم يتم رفع الدعوى فعليا فإن المقاول الأصلي يظل له حرية التصرف في كل حقوقه دون تقيده بشئ،  كما أن قيمة المستحقات في الدعوى يجب ألا يجاوز القدر الذى يكون مدينا به للمقاول الأصلي وقت رفع الدعوى ، وبالتالي يمكن للمقاول الأصلي التصرف في حقه قبل رفع الدعوى وقد يصبح صاحب العمل غير مدين بشئ وقتها، وحينئذ عند رفع الدعوى فقط تتقيد الحرية ويتجمد الحق تحت يد صاحب العمل لحين الفصل فيه أو الوفاء.

وننوه هنا الى أن انذار رب العمل بالوفاء يكتسب ذات الأثر القانوني لرفع الدعوى المباشرة في حالة امتناع الأخير عن الوفاء حينها الى المقاول الأصلي بمستحقاته بل يتعين عليه أن يفي لدائنيه من مقاولين الباطن والعمال، فاذا أوفى الى المقاول الأصلي بعد تاريخ الانذار أو رفع الدعوى، فإن هذا الوفاء لا يسري في حق المقاول من الباطن ويجوز للأخير مطالبة رب العمل بحقه، وحينئذ يرجع الأخير بما دفعه على المقاول الأصلي.

حق إمتياز مقاول الباطن والعمال في حالة توقيع الحجز :

من المقرر أنه يجوز للمقاول من الباطن أو العامل ألا يسلك طريق الدعوى المباشرة وأن يسلك طريقا عاديا مفتوحا لأي دائن وفقا للقواعد العامة للقانون، وهو طريق حجز ما للمدين لدى الغير، وحيث أن الحجز يعد من القواعد العامة فإن الدائن في تلك الحالة لا يكتسب من خلال كونه البادئ به مركزا متميزا أو مانعا للدائنين الآخرين من إتباع نفس المنهج، وبالتالي يعتبر الحجز أضعف من الدعوى المباشرة التي بموجب رفعها توقف الإجراءات الأخرى وتمنع الحجز أو الإستمرار فيه حتى ولو تم قبل تاريخ رفع الدعوى، ولكن يتضح لنا هنا أن المشرع أقرن الحجز بمزايا خاصة وفقا لنص المادة (662) من القانون المدني المصري، أي جعل نفس الأشخاص الذين لهم الحق في رفع الدعوي و المستفيدين من الدعوى المباشرة يكون لهم امتياز وقت توقيع الحجز ويتم تقسيم المبالغ بينهم بالنسبة والتناسب لكل طرف له حق الامتياز ويجوز أداء المبالغ لهم بشكل مباشر.

وتجدر الإشارة الى أن الحكمة من تقرير حق الإمتياز للمقاول من الباطن والعمال، أن الدعوى المباشرة قد لا تكون كافية لحمايتهم بشكل تام، اذ أنها لا تمنع دائني صاحب العمل من مزاحمتهم، ولذا فقد عمد المشرع المصري لتقرير هذا الإمتياز لهم، لأن الدعوى المباشرة تمنع مزاحمة دائني المقاول الأصلي فقط من مزاحمتهم وليس دائني صاحب العمل.

والمرجو ملاحظة أنه لا يشترط في اقامة الدعوى المباشرة من مقاول الباطن ضد صاحب العمل أن يكون المقاول الأصلي متعسرا، أو أن يكون قد رجع على الأخير أولا كما أوضحنا أنفا.

 

السابق التالى
+ (20) 1069460940 +(966) 598488676