تتضمن عقود المقاولات مجموعة مهام وإلتزامات يضطلع بها كلا من المهندس والمقاول، وبديهي أنه في حالة وجود مهام أن تترتب عليها المسئولية عن إتمامها على الوجه المطلوب والأمثل، لذا يجدر بنا أن نلقي الضوء على تلك المهام وما يستتبعها من مسؤوليات على عاتق كلا من المهندس والمقاول واقتسام المسئولية فيما بينهم عن عيوب البناء، ويمكن أن نوجز تلك المهام والمسئوليات في النقاط التالية.
أولا : مهام المهندس والمقاول في عقد المقاولة:-
إن عمل المهندس يعتبر من الأعمال التى تندرج تحت المهن الحرة، فالبعض من الفقه أدرج العقد الذي يبرمه هذا الأخير فيما يعرف عقد المعلومات كما عرف ب "العقد بالنصيحة" وهذا الالتزام بالنصيحة، يعتبر من أهم الالتزامات التي تقوم على عاتق المهندس، باعتباره أول من يلجأ إليه رب العمل، ليقوم بعدها بإجراء التصاميم والمقايسات كالتزام ثان يقوم على عاتقه، لبداية تنفيذ المشروع أو العمل المطلوب إنجازه، ثم يأتي الالتزام الثالث، وهو الالتزام بالضمان متى تحقّقت شروطه.
يلتزم المقاول أولا بإنجاز العمل المطلوب منه بموجب شروط التعاقد فيما بينه وبين صاحب العمل، ويلي ذلك التزام ثان وهو إلتزامه ببذل العناية اللازمة خلال ذلك الإنجاز، بالإضافة الى إلتزام المقاول بتقديم عمله وما يحتاجه من الأدوات والمعدات، ويجب عليه مراعاة أصول الفن في استعمال المادة التي يقدمها له صاحب العمل.
إلا إنه في كثير من الأحيان، وعند تسليم المشروع بعد إنجازه قد تظهر عيوب فى البناء، أو قد لا تظهر تلك العيوب ثم يؤدي وجودها إلى حدوث تهدم كلي أو جزئي للمبنى، مما يثار معه تساؤل هام وهو : على عاتق من تقع المسؤولية عن تلك العيوب والتي قد تهدد بوقوع خطر حقيقي على البناء وسلامة الأرواح والأشخاص ؟
ثانيا : التضامن فيما بين المهندس و المقاول بخصوص المسئولية عن سلامة البناء:-
حدد القانون المدني تلك المسئولية وجعلها تضامنية فيما بين المهندس والمقاول على أساس أنهما اللذان قاما بعملية التشييد بأنفسهم مستخدمين خبراتهما النظرية والعملية إلى جانب رقابتهما و إشرافهما على التنفيذ، حيث نصت المادة (651) من القانون المدني المصري على أن :
"(1) يضمن المهندس المعماري والمقاول متضامنين ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيدوه من مبان أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى، ولو كان التهدم ناشئا عن عيب في الأرض ذاتها، أو أن رب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة، ما لم يكن المتعاقدان في هذه الحالة قد أرادا أن تبقى هذه المنشآت مدة أقل من عشر سنوات.
(2) ويشمل الضمان المنصوص عليه في الفقرة السابقة ما يوجد في المباني والمنشآت من عيوب يترتب عليها تهديد متانة البناء و سلامته.
(3) وتبدأ مدة السنوات العشر من وقت تسلم العمل، ولا تسري هذه المادة على ما قد يكون للمقاول من حق الرجوع علي المقاولين من الباطن."
ومفاد نص المادة سالفة البيان أن تستمر تلك المسئولية التضامنية على عاتق كلا من المهندس والمقاول لمدة عشر سنوات من وقت تسليم البناء، والمقصود من ذلك ضمان عدم وجود عيوب فنية تهدد المبنى الذي شيداه قد تؤدي إلى تهدمه فى أي لحظة خلال تلك المدة، الأمر الذي يجب أن يدفعهم والحال كذلك أن يبذلوا قصارى جهدهم بخصوص إتقان الصنعة ومراعاة الأصول الفنية، لتفادي المساءلة القانونية عن وقوع أية أضرار أو أخطار قد تلم بالمبنى تكون متعلقة بعيوب البناء، كما يلاحظ أن رب العمل لا يكون مسئولا عن تلك العيوب، وحتى ولو أجازها طالما أن البناء محل التعاقد قد إنصرفت نية المتعاقدين إلى بقاؤه لمدة أطول من عشر سنوات، فتكون المسئولية عنها على عاتق المهندس والمقاول خلال المدة المتفق عليها فى العقد المبرم بينهما.
ثالثا : لا يجوز الإتفاق على إعفاء المهندس المعماري والمقاول من المسئولية:-
وهذا أمر بديهي حيث لا يجوز أن تخالف بنود التعاقد القواعد الآمرة، بأن يتم إعفاء المهندس أو المقاول من مسئوليتهم التى قررها القانون، ويقع باطلا أي إتفاق بين طرفي العقد جاء بالمخالفة لذلك، وهذا ما قررته المادة (653) من ذات القانون حيث نصت على أنه :
"يكون باطلا كل شرط يقصد به إعفاء المهندس المعماري والمقاول من الضمان أو الحد منه."
أي أنه لا يجوز قانونا الإتفاق على مساءلة أي شخص آخر غير المقاول والمهندس عن العيوب التي أدى وجودها إلى تهدم جزئي أو كلي بالبناء، حتى لو كان التهدم لا يزال لم يحدث فعليا إلا أن الخبرة تؤكد ضرورة حدوثه لظهور العيوب المنذرة بوقوعه لاحقا كنتيجة لوجودها وتأثيرها المستقبلي على البناء.
رابعا : تحديد مسئولية المهندس المعمارى و المقاول بنص القانون:-
نصت المادة (652) من القانون المدنى على أنه:
"إذا اقتصر المهندس المعماري علي وضع التصميم دون أن يكلف الرقابة على التنفيذ، لم يكن مسئولا إلا عن العيوب التي أتت من التصميم."
ومفاد ذلك أنه فى حالة أن يقوم المهندس المعماري بعمل تصميمات البناء فقط، دون تكليفه بالرقابة ومتابعة أعمال التشييد، لا يكون مسئولا فى هذه الحالة إلا عما قام به فعليا، حيث تنتفى مسئوليته عما هو ليس مكلفا به من قبل رب العمل، أو عما لم يقم به واقعيا.
ويدل ذلك أيضا على أن نطاق الضمان ليس قاصرا على ما يصيب البناء من تهدم كلي أو جزئي بل أنه يشمل ما يلحق هذا البناء من عيوب أخرى تهدد متانته أو سلامته ولو لم تكن مؤدية فى الحال إلى تهدمه، والأصل فى المسئولية عن هذا الضمان أن يكون المهندس المعماري والمقاول مسئولان على وجه التضامن عن هذه العيوب طالما أنها ناشئة عن تنفيذ البناء، وهي مسئولية تقوم على خطأ مفترض فى جانبهما وترتفع هذه المسئولية عنهما بإثبات قيامهما بالبناء وفق التصميم المعد لذلك والأصول الفنية المرعية وأن العيب الذى أصاب البناء ناشئ عن خطأ غيرهما، وبالتالي إذا كانت هذه العيوب ناشئة عن تصميم البناء دون أن تمتد إلى تنفيذه، فإن الضمان يكون على المهندس واضع التصميم وحده بإعتبار أنه وحده الذي وقع منه الخطأ، كما أن المشرع ألزم المقاول بالتضامن مع المهندس المعمارى في المادة (651) كما ذكرنا آنفا بضمان سلامة البناء من التهدم الكلي أو الجزئي أو العيوب التى يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته، وحدد لذلك الضمان مدة معينة هي عشر سنوات تبدأ من وقت تسليم المبنى، ويتحقق الضمان إذا حدث خلال هذه المدة، وبحسب الأصل فمسئولية المهندس المعماري والمقاول على وجه التضامن عن هذا الضمان مناطها أن تكون هذه العيوب ناشئة عن تنفيذ البناء.
والجدير بالذكر أن في حالة قيام رب العمل بنفسه بوضع تصميم البناء، وكان معيبا فإن المقاول حينئذ لا يسأل عما أفضت إليه تلك العيوب، وتكون المسئولية والحال كذلك على عاتق رب العمل، إلا في حالة إدراك المقاول لذلك العيب أثناء التنفيذ من واقع خبرته، فيكون مسئولا لو كان عالما به ولم ينصح رب العمل بخصوصه على النحو الذى يقي البناء من التهدم الكلي أو الجزئي.
خامسا : سقوط دعوى ضمان عيوب البناء بالتقادم الثلاثي:-
مثل أي دعوى لا يظل الحق في رفعها مؤبدا، بل يكون مقررا لها تاريخ إنقضاء بخصوص ذلك الحق، حيث تتقادم دعوى ضمان عيوب البناء المشار إليها بمرور ثلاثة سنوات من وقت العلم بوجود العيب أو إنكشافه الذي تترتب عليه المسؤولية القانونية للمهندس والمقاول كما أسلفنا، حيث نصت المادة (654) من القانون المدني على أن :
"تسقط دعاوي الضمان المتقدمة بانقضاء ثلاث سنوات من وقت حصول التهدم أو إنكشاف العيب"
مؤدي نص المادة المشار إليها من القانون المدني أن ميعاد سقوط دعاوي ضمان المهندس المعماري والمقاول يبدأ إعتبارا من تاريخ التهدم الفعلي الكلي أو الجزئي في حالة عدم إنكشاف العيب الذي أدى اليه، أومن تاريخ إنكشاف العيب دون إنتظار لتفاقمه حتي يؤدي الي تهدم المبنى وإضطرار صاحب العمل لهدمه، ولا يشترط لبدء سريان ميعاد تقادم الدعوى فى هذه الحالة حصول تهدم تلقائي أو إنهيار جزئي أو كلي للبناء.