research

النزاعات التجارية في المملكة العربية السعودية: فهم شامل لنظام التحكيم

مما لا شك فيه أن التحكيم الدولي قد شهد تطوراً خلال العقد الأخير إلا أن للتحكيم في المملكة العربية السعودية تاريخ أبعد من ذلك. فبدايةً، فقد نص نظام المحكمة التجارية لسنة ١٣٥٠هـ/ 1932م (مادة 493 وما بعدها)،وقد صدر لاحقاً قانون التحكيم  لسنة 1403هـ/1983م بشكل مستقل، وأخيراً، فقد صدر نظام التحكيم الجديد لسنة 1433هـ/2012م ليكون يكون هو التشريع الأحدث والأخير لتنظيم التحكيم داخل المللكة العربية السعودية وفقاً لأخر تعديلات صدرت على القانون خلال عام 1443هـ/2022م. وجدير بالذكر أن نظام التحكيم السعودي قد تم صياغته بالإستناد على القانون النموذجي (UNCITRAL Model Law).    

التحكيم في القانون السعودي

كما هو الحال دائماً، فالتحكيم هو الطريق الإستثنائي الأمثل لحل النزاعات القضائية والتجارية عن طريق القضاء وإطالة أمد التقاضي التي تتسم بالبطء والتعقيد، فهو الوسيلة المختارة لأطراف النزاع لحل النزاعات المتعلقة بإستثماراتهم أو إي علاقة أخرى (المادة الثانية) بالإرادة المنفردة، وأهم ما يُميز نظام التحكيم هو أن يتم الإتفاق علي إجراءاته قبل البدء فيه وإختيار هيئة التحكيم ونطاقه ومكان إجراء التحكيم ومدته، وغيرها.

المسائل التي يجوز والتي لا يجوز فيها التحكيم

يستند التحكيم بشكل أساسي إلى إرادة الأطراف التي اختارته ومنحته السلطة في حل النزاعات بينها. وفي ظل هذا المبدأ، ينعقد التحكيم عندما تتفق الأطراف على ذلك، وتكون الإرادة المشتركة هي المحدد الأساسي لنطاق التحكيم وشروطه، مع تدخل الدولة فقط في حدود ضيقة للحفاظ على النظام العام. وبشكل عام، تقوم قواعد نظام التحكيم السعودي على مبدأين رئيسيين، حيث يشمل:

  • القاعدة الأولى: سريان قوانين هذا النظام على جميع المسائل المعنية بالتحكيم، بغض النظر عن طبيعتها أو شكلها حين نص القانون على "أياً كانت طبيعة العلاقة النظامية التي يدور حولها النزاع". (الفقرة الأولى من المادة الثانية)

  • القاعدة الثانية: ستثني بعض المسائل من نطاق التحكيم، مثل المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية والمسائل الجزائية التي لا يجوز فيها الصلح. (الفقرة الخيرة من المادة الثانية)

أنواع التحكيم

نظام التحكيم السعودي هو آلية فعّالة لفض النزاعات بين الأطراف بسرعة وفاعلية. ينقسم التحكيم إلى عدة أنواع تشمل التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري، والتحكيم بالقضاء والتحكيم بالصلح، بالإضافة إلى التحكيم المؤسسي والتحكيم الحر. تختلف هذه الأنواع من حيث الطريقة التي يُعقد بها إجراءات التحكيم وكيفية اختيار هيئة التحكي وغيرها.

التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري

أما فيما يتعلق بأنواع التحكيم، فهناك التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري. يكون التحكيم اختياريًا عندما يلجأ الخصوم إليه بإرادتهم، كوسيلة بديلة عن القضاء لفض النزاع بينهما، أما التحكيم الإجباري فيكون عندما يفرض النظام اللجوء إليه لفض النزاع بين الطرفين في مسائل محددة، مستبعدًا التحكيم الإجباري من نطاق تطبيق التشريعات الوطنية.

التحكيم بالقضاء والتحكيم بالصلح

كما يمكن تقسيم التحكيم إلى التحكيم بالقضاء والتحكيم بالصلح. في التحكيم بالقضاء، يصدر المحكم حكمه بناءً على الوقائع والأدلة المقدمة له، دون اعتبار لرأي الخصوم، بينما في التحكيم بالصلح، يقوم المحكم بجهود للتقريب بين الطرفين والبحث عن حل مناسب لهما قبل إصدار الحكم.

التحكيم المؤسسي والتحكيم الحر

وأخيرًا، يتميز التحكيم المؤسسي بأنه يتم بناء على اتفاق الطرفين من خلال مؤسسة تحكيم دائمة، بينما يتم التحكيم الحر خارج إطار المؤسسات التحكيمية الدائمة، حيث يختار الطرفان هيئة التحكيم بناءً على اتفاقهما المباشر.بعدما تعرفت على تاريخ نظام التحكيم في المملكة العربية السعودية وأوجه تطبيقه، يسرني أن أقدم لك فهمًا شاملاً لنطاق سريان حكم التحكيم وآليات تنفيذه في النظام التحكيم السعودي.

متي يكون التحكيم دوليًا؟

نصت المادة الرابعة من القانون على أنه:

"يكون التحكيم دوليًا إذا تعلق بالتجارة الدولية، ويكون ذلك في الحالات الآتية:

  1. إذا كان المركز الرئيسي لأعمال التحكيم يقع في أكثر من دولة وقت إبرام إتفاق التحكيم، وإذا كان لأحد طرفي التحكيم عدة مراكز للأعمال فالعبرة تكون بالمركز المرتبط بمحل النزاع، وإذا لم يكن لطرفي التحكيم مركز أعمال محدد فالعبرة بمحل إقامته المعتادة.
  2. إذا كان المركز الرئيسي لأعمال طرفي التحكيم في الدولة نفسها وقت إبرام إتفاق التحكيم، وكانت تلك الأماكن خارج هذه الدولة، وتتمثل تلك الأماكن فيما يلي:
  • مكان إجراء التحكيم كما هو وارد بإتفاق التحكيم، أو أشار لكيفية تعيينه.
  • مكان تنفيذ الجانب الجوهري من الإلتزامات الناشئة من العلاقة التجارية بين الطرفين.
  • المكان الأكثر إرتباطًا بموضوع النزاع.
  1. إذا إتفق طرفي التحكيم علي اللجوء لمنظمة أو هيئة تحكيم دائمة أو مركز للتحكيم موجود خارج المملكة العربية السعودية.
  2. إذا كان موضوع النزاع الخاص بإتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة."

ما هو إتفاق التحكيم وفقاً للنظام السعودي؟

إتفاق التحكيموفقاً للمادة الأولى من القانون هو إتفاق بين طرفين أو أكثر علي أن يتم إحالة جميع أو بعض النزاعات التي نشأت أو قد تنشأ بينهما في علاقة نظامية سواء كانت تعاقدية أو غير تعاقدية للتحكيم، وسواء كان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم  وارد في العقد (مادة 9-1) أو مشارطة تحكيم مستقلة (مادة 9-2). وفي جميع الأحوال يجب أن يكون شرط التحكيم مكتوباً (مادة 9-2)، كما انتهج القانون ذات النهج الوارد في القانون النموذجي بشأن تفسير شرط الكتابة ومسائل الإحالة (مادة 9-3).

 

وجدير بالذكر أنه تؤكد القوانين السعودية على استقلالية التحكيم، حيث يعتبر اتفاق التحكيم شرطًا مستقلاً في العقد، مما يعني أن بطلان العقد لا يؤثر على صحة اتفاق التحكيم، والعكس صحيح (مادة 21). كما نص القانون على أنه لا يجوز الإتفاق علي التحكيم إلا ممن يملك التصرف في حقوقه سواء كان شخص طبيعي أو شخص إعتباري، وأنه لا يجوز للجهات الحكومية الإتفاق علي التحكيم إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء ما لم يرد نص خاص يجيز ذلك (مادة 10).

 

إجراءات التحكيم في نظام التحكيم السعودي؟

نظام التحكيم السعودي يتضمن مجموعة من الخطوات المنظمة لعملية التحكيم في المملكة العربية السعودية. وفقاً للمادة 25-1 فإنه "يحق لأطراف التحكيم التوافق على الإجراءات التي يتبعها هيئة التحكيم، بما في ذلك إمكانية إخضاع هذه الإجراءات للقوانين السارية في أي جهة تحكيم سواء داخل المملكة أو خارجها، بشرط أن تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية". مع التأكيد على حق هيئة التحكيم – في حال عدم وجود اتفاق بين الأطراف – في اتخاذ الإجراءات الملائمة (مادة 25-2)، شريطة إبلاغ أطراف التحكيم بهذه الإجراءات قبل موعد بدء تنفيذها بمدة لا تقل عن عشرة أيام. وفيما يلي تعرف على أهم خطوات التحكيم التجاري السعودي.

بداية إجراءات التحكيم

"تبدأ إجراءات التحكيم من اليوم الذي يتسلم فيه أحد طرفي التحكيم طلب التحكيم، ما لم يتفق طرفي التحكيم علي غير ذلك" (المادة 26).

مكان التحكيم

فرق القانون السعودي – كما هو الحال – بين مكان التحكيم (Seat of Arbitration) كونه المكان القانوني الذي ينظم التحكيم وأي مكان اخر قد تنعقد به جزء من الإجراءات، فقد نصت المادة 28 على أنه "يتم الإتفاق علي مكان التحكيم من طرفي التحكيم داخل المملكة أو خارجها، وفي حال عدم الإتفاق تقوم هيئة التحكيم بتحديد مكان التحكيم ومراعاة ظروف الدعوي ومدي ملائمة المكان لطرفي التحكيم، ولا يخل ذلك بسلطة هيئة التحكيم في اختيار المكان المناسب للمداولة وسماع أقوال الشهود أو الخبراء أو طرفي النزاع أو معاينة محل النزاع أو فحص المستندات أو الإطلاع عليها."

لغة التحكيم

وضع القانون السعودي أساساص ليتم التحكيم باللغة العربية ما لم تقرر هيئة التحكيم أو يتفق الطرفين علي لغات أخري، ويسري حكم الإتفاق أو القرار علي لغة البيانات والمذكرات المكتوبة والمرافعات الشفهية وكل القرارات التي تتخذها هيئة التحكيم، والرسائل التي توجهها هيئة التحكيم، أو الحكم التي تصدره، ما لم يتفق الطرفين أو قرار هيئة التحكيم علي غير ذلك(مادة 29-1).

ولهيئة التحكيم الحق في أن ترفق الترجمة للغة المستخدمة في التحكيم مع كل الوثائق المكتوبة أو بعضها، وفي حال تعدد اللغات يجوز لهيئة التحكيم أن تقتصر الترجمة علي بعضها (مادة29-2).

إبداء الدفوع والطلبات وحسن وسلامة سير الإجراءات والعدالة الإجرائية

بدايةً، فإن القانون قد أكد على أن يجب أن يتم المساواة بين طرفي التحكيم وإعطاء الفرصة لهم بعرض الدعوي أو الدفاع وهو أحد الحقوق الإجرائية الثابتة. (مادة 27)

لقد نصت المواد (30-31-32) من نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 39 بتاريخ 24-5-1433 هجريًا، علي أن:

فقد نص القانون على أن يرسل المدعي خلال الميعاد المتفق عليه بين الطرفين، أو الذي تعينه هيئة التحكيم للمدعي عليه ولكل مُحكم من المحكمين، بيان بالدعوي مكتوبًا، يشتمل إسمه وعنوانه وإسم المدعي عليه وعنوانه، وشرح لوقائع الدعوي وطلباته وأسانيده، وكل أمر آخر يوجب إتفاق الطرفين ذكره في البيان (مادة 30-1).

على أن يرسل المدعي عليه خلال الميعاد المتفق عليه بين الطرفين، أو الذي تعينه هيئة التحكيم للمدعي ولكل مُحكم من المُحكمين، جوابًا مكتوبًا بدفاعه رداً علي ما جاء في بيان الدعوي، وله أن يضمن جوابه أي طلب متصل بموضوع النزاع، أو أن يتمسك بحق ناشيء منه بقصد الدفع بالمقاصة، وله ذلك حتي ولو في مرحلة لاحقة من الإجراءات إذا رأت هيئة التحكيم أن الظروف تسوغ التأخير(مادة 30-2).

كما يجوز لكل من الطرفين أن يُرفق ببيان الدعوي أو بجوابه عليها، صورًا من الوثائق التي يستند إليها، وأن يُشير لكل الوثائق أو بعضها وأدلة الإثبات التي يعتزم تقديمها. ولا يخل هذا بحق هيئة التحكيم في أي مرحلة كانت عليها الدعوي في طلب تقديم أصول المستندات أو الوثائق التي يستند إليها أي من طرفي الدعوي أو صور منها(مادة 30-3).

وفي جميع الأحوال، فإنه يجب أن يتم إرسال صورة من المذكرات أو المستندات أو الأوراق الأخري التي يقدمها أحد الطرفين لهيئة التحكيم إلي الطرف الأخر، وتُرسل للطرفين صورة من كل ما يُقدم لهيئة التحكيم سواء تقارير الخبراء أو المستندات أو غيرها من الأدلة التي تبني عليها الهيئة حكم التحكيم(مادة 31).

جلسات المرافعة أمام هيئة التحكيم

تنعقد جلسات المرافعة لتمكين طرفي التحكيم من عرض موضوع الدعوي وإبداء الحجج والأدلة وتقديم المذكرات والوثائق المكتوبة، ما لم يتفق طرفي التحكيم علي خلاف ذلك. ويتم إخطار طرفي التحكيم بمواعيد جلسة المرافعة الشفهية، وميعاد النطق بالحكم، وأي إنعقاد لهيئة التحكيم بغرض معاينة محل النزاع، أو ممتلكات أخري، أو بغرض فحص المستندات، قبل الإنعقاد بوقتِ كافٍ. يتم تدوين الجلسة في محضر يوقعه الشهود أو الخبراء أو الحاضرين من طرفي التحكيم أو وكلائهم، وأعضاء هيئة التحكيم، وتسلم صورة منه للطرفين، ما لم يتفق طرفي التحكيم علي خلاف ذلك (مادة 33).

وجدير بالذكر أن القانون قد أقر لطرفي التحكيم حق تعديل الطلبات أو الدفوع أو إستكمالها خلال إجراءات التحكيم، ما لم تقرر هيئة التحكيم عدم قبول ذلك منعاً لتعطيل الفصل في النزاع (مادة 32).

الإستمرار في الإجراءات

يعطي القانون السعودي الأولوية في الإستمرار في إجراءات التحكيم في أكثر من صورة، فمن جانب، ينص القانون على وجود دعوى قضائية منظورة أمام المحاكم لا تحول دون حق البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها أو إصدار حكم التحكيم (مادة 11)، كما نص القانون على الاستمرار في إجراءات التحكيم في حالة وجود مسألة قانونية تخرج عن نطاق ولاية هيئة التحكيم ما دام الفصل في النزاع المطروح عليها يمكن الفصل فيه استقلالاً (مادة 37)، كما اقر القانون بحق الهيئة في الأستمرار في إجراءات التحكيم في حالة تخلف أحد الأطراف – دون عذر مقبول – سواء عن تقديم المستندات المكتوبة (مادة 34) أو حضور الجلسات (مادة 35).

إنتهاء إجراءات التحكيم وإنهاء الخصومة

تنتهي إجراءات التحكيم بصدور الحكم المنهي للخصومة، أو بصدور قرار هيئة التحكيم بإنهاء إجراءات التحكيم، وذلك بإتفاق طرفي التحكيم علي إنهاء التحكيم، أو ترك المدعي لخصومة التحكيم ما لم تقرر هيئة التحكيم بناءً علي طلب المدعي عليه أن له مصلحة جدية في إستمرار إجراءات التحكيم حتي الفصل في النزاع، ويتم إنتهاء إجراءات التحكيم إذا رأت هيئة التحكيم أنه لا جدوي من إستمرار إجراءات التحكيم أو إستحالته (مادة 41-1)، أو إذا صدر أمر من هيئة التحكيم بإنهاء إجراءات التحكيم لتقصير من المدعي أو المدعي عليه في إبداء الدفوع والطلبات وفقا للفقرة الأولى من المادة 34 سالفة الذكر.

كما أنه لا تنتهي إجراءات التحكيم بوفاة أحد طرفي التحكيم أو فقد أهليته، ما لم يتفق من له صفه في النزاع مع الطرف الأخر علي إنتهائه، ويمتد الميعاد المحدد للتحكيم ثلاثين يوماً ما لم تقرر هيئة التحكيم مدة المدة لمدة مماثلة أو يتفق طرفي التحكيم علي خلاف ذلك (المادة 41-2).

وجدير بالذكر أنه، في حال إتفاق طرفي التحكيم علي التسوية بإنهاء النزاع خلال إجراءات التحكيم، فيكون لهم الحق في طلب إثبات شروط التسوية أمام هيئة التحكيم، وعلي الأخيرة إصدار حكماً يتضمن شروط التسوية وإنهاء الإجراءات، ويكون لهذا الحكم ذات القوة التنفيذية لأحكام التحكيم (مادة 45).

في الختام:

يُعد نظام التحكيم وسيلة فعّالة لحل النزاعات، حيث يقوم الخصمان بتعيين محكم يصدر. وتتميز هذه العملية بالسرعة والفاعلية في فض المنازعات، مع الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية والقوانين المحلية. ونحن في مكتب المحاماة نفخر بالقدرة على تقديم الاستشارات القانونية والإجابة عن جميع الاستفسارات المتعلقة بنظام التحكيم السعودي. نحن ملتزمون بتقديم الدعم والمساعدة لعملائنا في فهم وتطبيق هذا النظام بطريقة فعالة ومبتكرة. يمكننا توفير المشورة القانونية المخصصة والمتخصصة لتلبية احتياجاتكم وضمان حماية حقوقكم ومصالحكم في إجراءات التحكيم. لا تترددوا في التواصل معنا للحصول على المساعدة والتوجيه فيما يتعلق بنظام التحكيم السعودي وأي مسائل قانونية أخرى تتعلق بنشاطكم التجاري.

السابق التالى
+ (20) 1069460940 +(966) 598488676